فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي}. الفصل هو أن تعزل شيئا عن شيء آخر، ومثل ذلك قوله تعالى: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} من الآية [94 سورة يوسف].
{فصلت العير} أي غادرت مصر وخرجت منه. ونحن نستخدم كلمة فصل في تبويب الكتب، ونقصد به قدرًا من المعلومات المترابطة التي تكون وحدة واحدة، وعندما تنضم الفصول مع بعضها في الكتب تصير أبوابًا، وعندما تنظم الأبواب الموضوعة في مجال علم واحد مع بعضها نقول عنها: هذا كتاب. ونحن نستخدم كلمة {فصل} في وصف مجموعة من التلاميذ المتقاربين في العمر والمستوى الدراسي ونقسمهم إلى فصل أول وثانٍ وثالث، على حسب سعة الفصول وعدد التلاميذ. وهكذا نفهم معنى قول الحق: {فلما فصل طالوت بالجنود} أي فصلهم عن بقية غير المقاتلين، وقسمهم إلى جماعات مرتبة، وكل جماعة لها مهمة.
وكلمة جنود هي جمع جند وهي مفردة لكنها تدل على جماعة، وأصل الكلمة من جند وهي الأرض الغليظة الصلبة القوية، ونظرا لأن الجنود مفروض فيهم الغلظة والقوة فقد أطلق عليهم لفظ: جند. وبرغم أن كلمة جند مفرد؛ إلا أنها تدل على القوم مثل رهط وطائفة ويسمونها اسم جمع. {فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر} أي عندما خرج إلى مكان إقامة الجيش بدأ في مباشرة أولى مهماته كملك، لقد أراد أن يختبرهم، فهم قوم وقفوا ضد تعيينه ملكا، لذلك أراد أن يدخل الحكم على أرض صلبة. فقال لهم عن الحق: {إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم}.
لقد أوضح لهم: أنتم مقبلون على مهمة لله في سبيل الله، وهو سبحانه الذي سيجري عليكم الاختبار، ولست أنا لأن الاختبار يكون على قدر المهمة؛ أنا مشرف فقط على تنفيذ الأمر، والله مبتليكم بنهر من يشرب منه فليس منا إلا من اغترف غرفة بيده. وساعة تسمع كلمة {مبتليكم} فلا تفسرها على أنها مصيبة، ولكن فسرها على أنها اختبار، قد ينجح من يدخل وقد يفشل. والاختبار هنا بنهر. ومادام كان الاختبار بنهر فلابد أن لهذه الكلمة موقعا وأثرا نفسيا عندهم، لابد أنهم كانوا عطاشًا، وإلا لو لم يكونوا عطاشًا لما كان النهر ابتلاء. {إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني}.
إنهم عطاش، وساعة يرى الماء فسيقبلون عليه بنهم شربا وريًا، ومع ذلك يختبر الحق صلابتهم فيطالبهم بأن يمتنعوا عن الشرب منه، لقد جاء الاختبار في منعهم مما تصبو إليه نفوسهم. {فمن شرب منه فليس مني} لماذا؟ لأنهم ساعة يرون ما يحبونه ويشتهونه فسيندفعون إليه وينسون أمر الله. ومن ينس أمر الله ويفضل نفسه، فهو غير مأمون أن يكون في جند الله. لكن الذي يرى الماء ويمتنع عنه وهو في حاجة إليه، فهو صابر قادر على نفسه، وسيكون من جند الله، لأنه آثر مطلوب الله على مطلوب بطنه، وهو أهل لأن يبتلى. ومع ذلك لم يقس الله في الابتلاء، فأباح ما يفك العطش ولم يحرمهم منه نهائيا. {إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده} لقد سمح لهم بغرفة يد تسد الرمق وتستبقي الحياة، أباح لهم ما تقتضيه الضرورة. لكن ما صلة هذا الابتلاء بالعملية التي سيقبلون عليها؟
إن العملية الحربية التي سيدخلونها سيقابلون فيها الويل وسيعرضون لنفاذ الزاد وهم أيضا عرضة لأن يحاصرهم عدوهم، وعلى الإنسان المقاتل في مثل هذه الأمور أن يقوى على شهوته ويأخذ من زاده ومائه على قدر ضرورة استبقاء الحياة، لذلك تكفي غرفة واحدة لاستبقاء الحياة. كأن التدريب هنا ضرورة للمهمة. فهل فعلوا ذلك؟ يأتينا الخبر من الحق {فشربوا منه إلا قليلا منهم}. وهكذا تتم التصفية، ففي البداية سبق لهم أن تولوا وأعرضوا عن القتال إلا قليلا، وهنا امتنع عن الشرب قليلا من القليل، وهذه غرابيل الاصطفاء أو مصافي الاختبار، فقد يقوى واحد على نصف المشقة، ويقوى آخر على ثلث المشقة، ويقوى ثالث على ربعها. لقد بقى منهم القليل، لكنه القليل الذي يصلح للمهمة؛ إنه الذي ظل على الإيمان.
وانظر كيف تكون مصافي الابتلاء في الجهاد في سبيل الله؟ حتى لا يحمل راية الجهاد إلا المأمون عليها الذي يعرف حقها. {فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} أي عندما عبروا النهر واجتازوا كل الاختبارات السابقة قال بعضهم: {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} لقد خاف بعض منهم من الاختبار الأخير، ولكن الذين آمنوا بالله لم يخافوا، ويقول الحق: {قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين}.
لقد اختلفت المواجيد وإن اتحدت المرائي. فالذين جاوزوا النهر انقسموا قسمين، قسم رأى جالوت وجنوده، والقسم الآخر رأوه أيضا، ولم ينقسموا عند الرؤية لكنهم انقسموا عند المواجيد التابعة للرؤية، فقسم خاف وقسم لم يخف، والذين خافوا قالوا: {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} لقد وجد الخوف من جالوت وجنوده في نفوسهم فقالوا: {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده}، لقد مروا بثلاث مراحل؛ المرحلة الأولى: هي إدراك لجالوت وجنوده، والثانية: هي وجدان متوجس من قوة جالوت وجنوده، والأخيرة: هي نزوع إلى الخوف من جالوت وجنوده، لكن القسم الذي لم يخف رأوا المشهد أيضا وجاء فيهم قول الله: {قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله}.
كأنهم أدخلوا ربهم في حسابهم فاستهانوا بعدوهم، لكن الفئة السابقة عزلت نفسها عن ربها فرأوا أنفسهم قلة فخافوا. لقد كان مجرد ظن الفئة المؤمنة أنهم ملاقو الله قد جعل لهم هذه العقيدة، وإذا كان هذا حال مجرد الظن فما بالك باليقين؟ {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين}. ونعرف أن هناك معارك يفوز فيها الأقدر على الصبر، ودليلنا على ذلك قول الحق: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِينَ (124)} سورة آل عمران.
هذا هو الوعد لكن إذا صبرتم كم يكون المدد؟ يقول الحق: {بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125)} سورة آل عمران.
فكأن البدء بثلاثة آلاف لمساندة أهل الإيمان ويزيد العدد في المدد إلى خمسة آلاف إن صبروا واتقوا. إذن فالمدد يأتي على قدر الصبر؛ لأن حنان القدرة الإلهية عليك يزداد ساعة يجدك تتحمل المشقة فيحن عليك ويعطيك جزءا أكبر. فالله يريد من عبده أن يستنفد أسباب قوته الخاصة، وحين تستنفد الأسباب برجولة وثبات، تأتيك معونة الله، ويقول الله لملائكته: هذا يستحق أن يعان فأعينوه. ولذلك جاء قوله الحق على ألسنة المؤمنين: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: خرجوا مع طالوت وهم ثمانون ألفًا، وكان جالوت من أعظم الناس وأشدهم بأسًا، فخرج يسير بين يدي الجند فلا تجتمع إليه أصحابه حتى يهزم هو من لقي، فلما خرجوا قال لهم طالوت {إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني} فشربوا منه هيبة من جالوت، فعبر منهم أربعة آلاف ورجع ستة وسبعون ألفًا، فمن شرب منه عطش، ومن لم يشرب منه إلا غرفة روي {فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه} فنظروا إلى جالوت رجعوا أيضًا و{قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} فرجع عنه ثلاثة آلاف وستمائة وبضعة وثمانون، وجلس في ثلثمائة وبضعة عشر عدة أهل بدر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {إن الله مبتليكم بنهر} يقول: بالعطش، فلما انتهوا إلى النهر- وهو نهر الأردن- كرع فيه عامة الناس فشربوا، فلم يزد من شرب إلا عطشًا، وأجزأ من اغترف غرفة بيده وانقطع الظمأ عنه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {فلما فصل طالوت بالجنود} غازيًا إلى جالوت قال طالوت لبني إسرائيل {إن الله مبتليكم بنهر} بين فلسطين والأردن، نهر عذب الماء طيبه، فشرب كل إنسان كقدر الذي في قلبه، فمن اغترف غرفة واطاعه روي بطاعته، ومن شرب فأكثر عصى فلم يرو {فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه} قال الذين شربوا {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون} الذين اغترفوا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس {إن الله مبتليكم بنهر} قال: نهر فلسطين.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في الآية قال: كان الكفار يشربون فلا يروون، وكان المسلمون يغترفون غرفة فيجزئهم ذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: في تلك الغرفة ما شربوا وسقوا دوابهم.
وأخرج سعيد بن منصور عن عثمان بن عفان أنه قرأ: {إلا من اغترف غرفة} بضم الغين.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {فشربوا منه إلا قليلًا منهم} قال: القليل ثلثمائة وبضعة عشر، عدة أهل بدر.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن البراء قال: كنا أصحاب محمد نتحدث أن أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، ولم يجاوز معه إلا مؤمن بضعة عشر وثلثمائة.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر أنتم بعدة أصحاب طالوت يوم لقي، وكان الصحابة يوم بدر ثلثمائة وبضعة عشر رجلًا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي موسى قال: كان عدة أصحاب طالوت يوم جالوت ثلثمائة وبضعة عشر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبيدة قال: عدة الذين شهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم بدرًا كعدد الذين جاوزوا مع طالوت النهر، عدتهم ثلثمائة وثلاثة عشر.
وأخرج إسحق بن بشر في المبتدأ وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: كانوا ثلثمائة ألف وثلاثة آلاف وثلثمائة وثلاثة عشر رجلًا، فشربوا منه كلهم إلا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلًا، عدة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، فردهم طالوت ومضى في ثلثمائه وثلاثة عشر، وكان اشمويل دفع إلى طالوت درعًا فقال له: من استوى هذا الدرع عليه فإنه يقتل جالوت بإذن الله تعالى، ونادى منادي طالوت، من قتل جالوت زوجته ابنتي، وله نصف ملكي ومالي. وكان الله سبب هذا الأمر على يدي داود بن ايشا، وهو من ولد خصرون بن فارض بن يهود بن يعقوب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {الذين يظنون أنهم ملاقو الله} قال: الذين يستيقنون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {الذين يظنون أنهم ملاقو الله} قال: الذين شروا أنفسهم لله ووطنوها على الموت.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: تلقى المؤمنين بعضهم أفضل من بعض جدًا، وعزمًا وهم كلهم مؤمنون. اهـ.